سورة الكهف - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{فانطلقا} في موضع نزولهما من السفينة، فمرا بغلمان يلعبون، فعمد الخضر إلى غلام حسن الهيئة وضيء، فاقتلع رأسه، ويقال رضه بحجر، ويقال ذبحه وقال بعض الناس كان الغلام لم يبلغ الحلم، ولذلك قال موسى {زكية} أي لم تذنب، وقالت فرقة بل كان بالغاً شاباً، والعرب تبقي على الشاب اسم الغلام، ومنه قول ليلى الأخيلية: [الطويل]
غلام إذا هز القناة سقاها ***
وهذا في صفة الحجاج، وفي الخبر أن هذا الغلام، كان يفسد في الأرض ويقسم لأبويه أنه ما فعل فيقسمان على قسمه، ويحميانه ممن يطلبه، وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر ونافع والجمهور {زاكية}، وقرأ الحسن وعاصم والجحدري {زكية} والمعنى واحد، وقد ذهب القوم إلى الفرق وليس ببين، وقوله {بغير نفس} يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس، وهذا يدل على كبر الغلام وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس، ولا بغير نفس وقرأ الجمهور {نكراً} وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر وشيبة {نكُراً} بضم الكاف واختلف عن نافع، ومعناه: شيئاً ينكر، واختلف الناس أيهما أبلغ قوله {إمراً} [الكهف: 71] أو قوله {نكراً} فقالت فرقة هذا قتل بين، وهناك مترقب ف {نكراً} أبلغ وقالت فرقة هذا قتل واحد، وذلك قتل جماعة ف {إمراً} [الكهف: 71] أبلغ وعندي أنهما المعنيين، قوله {إمراً} [الكهف: 71] أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم، و{نكراً} أبين في الفساد لأن مكروهه قد وقع ونصف القرآن بعد الحروف انتهى إلى النون من قوله {نكراً} وقوله {ألم أقل لك} زجر وإغلاظ ليس في قوله أولاً {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً} وقوله بعد هذا {يريد} بعدها القصة، فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح، من حيث كانت في ضمن القول، وقرأ الجمهور {فلا تصاحبني} ورواها أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عيسى ويعقوب {فلا تصحبني}، وقرأ عيسى أيضاً {فلا تُصحبني} بضم التاء وكسر الحاء ورواها سهل عن أبي عمرو، والمعنى فلا تصحبني علمك، وقرأ الأعرج {فلا تَصحبنّي}: بفتح التاء والباء وشد النون، وقوله {قد بلغت من لدني عذراً} أي قد أعذرت إلي، وبلغت إلى العذر من قبلي، ويشبه أن تكون هذه القصة أيضا أصلاً للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة، وأيام التلوم ثلاثة فتأمله، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم من {لَدُنّي} بفتح وضم الدال وشد النون.
وهي لدن اتصلت بها نون الكناية التي في ضربني ونحوه، فوقع الإدغام، وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ نافع وعاصم {لَدُني} كالأولى إلا أن النون مخففة، فهي لدن اتصلت بها ياء المتكلم التي في غلامي وفرسي، وكسر ما قبل الياء كما كسر في هذه، وقرأ أبو بكر عن عاصم {لَدْني} بفتح اللام وسكون الدال وتخفيف النون وهي تخفيف لدني التي ذكرناها قبل هذه وروي عن عاصم {لُدْني} بضم اللام وسكون الدال قال ابن مجاهد وهي غلط قال أبو علي هذا التغليظ يشبه أن يكون من جهة الرواية فأما على قياس العربية فهي صحيحة، وقرأ الحسن {لَدْني} بفتح اللام وسكون الدال، وقرأ الجمهور {عذْراً} وقرأ أبو عمرو وعيسى {عذُراً} بضم الدال، وحكى الداني أن أبي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم «عذري» بكسر الراء وياء بعدها وأسند الطبري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه، فقال يوماً رحمة الله علينا، وعلى موسى، لو صبر على صاحبه لرأى العجب، ولكنه قال: {فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً} وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر، حتى يقص علينا من أمرهما»، وروي في تفسير هذه الآية أن الله جعل هذه الأمثلة التي وقعت لموسى مع الخضر، حجة على موسى وعجباً له، وذلك أنه لما أنكر أمر خرق السفينة، نودي يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحاً في اليم، فلما أنكر أمر الغلام، قيل له أين إنكارها هذا من وكرك للقبطي وقضائك عليه؟ فلما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك حجر البير لبنات شعيب دون أجر؟ وقوله: {فانطلقا} يريد انطلق الخضر وموسى يمشيان لارتياد الخضر أمراً ينفذ فيه ما عنده من علم الله فمرا بقرية فطلبا من أهلها أن يطعموهما فأبوا، وفي حديث: أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم، وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله، واختلف الناس في القرية: فقال محمد بن سيرين هي الأبلة. وهي أبخل قرية وأبعدها من السماء، وقالت فرقة هي أنطاكية، وقالت فرقة هي برقة، وقالت فرقة هي بجزيرة الأندلس، روي ذلك عن أبي هريرة وغيره، ويذكر أنها الجزيرة الخضراء، وقالت فرقة هي أبو حوران، وهي بناحية أذربيجان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله بحسب الخلاف في أي ناحية من الأرض كانت قصة موسى والله أعلم بحقيقة ذلك، وقرأ الجمهور {يضَيّفوهما} بفتح الضاد وشد الياء، وقرأ أبو رجاء {يضيفوهما}، بكسر الضاد وسكون الياء وهي قراءة ابن محيصن، وابن الزبير، والحسن وأبي رزين، والضيف مأخوذ من ضاف إلى المكان إذا مال إليه، ومنه الإضافة، وهي إمالة شيء إلى شيء، وقرأ الأعمش {فأبوا أن يطعموهما}، وقوله في الجدار {يريد} استعارة، وجميع الأفعال التي حقها أن تكون للحي الناطق متى أسندت إلى جماد أو بهيمة فإنما هي استعارة، أي لو كان مكان الجماد إنسان لكان ممتثلاً لذلك الفعل، فمن ذلك قول الأعشى: [البسيط]
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط *** كالطعن يذهب فيه الزيت والقتل
فأسند النهي إلى الطعن. ومن ذلك قول الشاعر: [الوافر]
يريد الرمح صدر أبي براء *** ويرغب عن دماء بني عقيل
ومنه قول عنترة: [الكامل]
وشكا إلي بعبرة وتحمحم ***
وقد فسر هذا المعنى بقوله لو كان يدري ما المحاورة البيت، ومنه قول الناس: داري تنظر إلى دار فلان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، لا تتراءى نارهما، وهذا كثير جداً وقرأ الجمهور {ينقض} أي يسقط، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه {أن يُنقض} بضم الميم وتخفيف الضاد وهي قراءة أبي، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعكرمة {أن يناقص}، بالصاد غير منقوطة بمعنى ينشق طولاً، يقال انقاص الجدار وطي البير، وانقاصت السن، إذا انشقت طولاً، وقيل إذا تصدعت كيف كان، ومنه قول أبي ذؤيب: [الطويل]
فراق كقيص السن فالصبر انه *** لكل أناس عبرة وحبور
ويروى عثرة وجبور بالثاء والجيم، وقرأ ابن مسعود والأعمش {يريد لينقض} واختلف المفسرون في قوله {فأقامه} فقالت فرقة هدمه وقعد يبنيه، ووقع هذا في مصحف ابن مسعود، ويؤيد هذا التأويل قول، {لو شئت لتخذت عليه أجراً} لأنه فعل يستحق أجراً، وقال سعيد بن جبير مسحه بيده وأقامه فقام.
قال القاضي أبو محمد: وروي في هذا الحديث وهو الأشبه بأفعال الأنبياء عليهم السلام فقال موسى للخضر: {لو شئت لتخذت عليه أجراً} أي طعاماً تأكله، وقرأ الجمهور {لتخذت} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لتخذت} وهي قراءة ابن مسعود والحسن وقتادة وأدغم بعض القراء الذال في التاء، ولم يدغمها بعضهم، ومن قولهم تخذ قول الشاعر: [المزق]: [الطويل]
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها *** نسيقاً كأفحوص القطاة المطرق
وفي حرف أبي بن كعب: {لو شئت لأوتيت عليه أجراً}، ثم قال الخضر لموسى بحسب شرطهما {هذا فراق بيني وبينك} واشترط الخضر، وأعطاه موسى أن لا يقع سؤال عن شيء، والسؤال أقل وجوه الاعتراضات، فالإنكار والتخطئة أعظم منه، وقوله {لو شئت لتخذت عليه أجراً} وإن لم يكن سؤالاً ففي ضمنه الإنكار لفعله، والقول بتصويب أخذ الأجر، وفي ذلك تخطئة ترك الأجر، والبين الصلاح، الذي يكون بين المصطحبين ونحوهما، وذلك مستعار فيه من الظرفية، ويستعمل استعمال السماء، وأما فصله، وتكريره {بيني وبينك} وعدوله عن بيننا، فلمعنى التأكيد، والسين في قوله {سأنبئك} مفرقة بين المحاورتين والصحبتين، ومؤذنة بأن الأولى قد انقطعت، ثم أخبره في مجلسه ذلك وفي مقامه {بتأويل} تلك القصص والتأويل هنا المآل.


قرأ الجمهور {لمساكين} بتخفيف السين، جمع مسكين، واختلف في صفتهم، فقالت فرقة كانت لقوم تجار، ولكنهم من حيث هم مسافرون على قلة، وفي لجة بحر، وبحال ضعف عن مدافعة غصب جائر، عبر عنهم ب مساكين، إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كما تقول لرجل غني إذا وقع في وهدة وخطب مسكين وقالت فرقة: كانوا عشرة إخوة: أهل عاهات خمسة منهم: عاملون بالسفينة لا قدرة بهم على العمل، وقرأت فرقة {لمسّاكين} بتشديد السين. واختلف في تأويل ذلك فقالت فرقة أراد ب المساكين ملاحي السفينة وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل المركب وكل الخدمة يصلح لإمساكه، فسمي الجميع مساكين، وقالت فرقة: أراد المسّاكين دبغة المسوك، وهي الجلود واحدها مسك.
قال القاضي أبو محمد: والأظهر في ذلك القراءة الأولى وأن معناها أن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق لهم، واحتج الناس بهذه الآية في أن المسكين الذي له البلغة من العيش كالسفينة لهؤلاء، وأنه أصلح حالاً من الفقير، واحتج من يرى خلاف هذا بقول الشاعر: [البسيط]
أما الفقير الذي كانت حلوبته *** وفق العيال فلم يترك له سبد
وتحرير هذا عندي أنهما لفظان يدلان على ضعف الحال جداً، ومع المسكنة انكشاف وذل وسؤال، ولذلك جعلها الله صنفين، في قسم الصدقات، فأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو: «ليس المسكين بهذا الطواف» فجعل المساكين في اللغة أهل الحاجة الذين قد كشفوا وجوههم، وأما قول الله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا} [البقرة: 273]. فجعل الفقراء أهل الحاجة الذين لم يكشفوا وجوههم، وقد تقدم القول في هذه المسألة بأوعب من هذا. وقوله {وكان وراءهم ملك} قال قوم معناه أمامهم، وقالوا وراء من الأضداد، وقرأ ابن جبير وابن عباس: {وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة} صحيحة وقرأ عثمان بن عفان {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة}.
قال القاضي أبو محمد: وقوله {وراءهم} هو عندي على بابه وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعاً بها الزمن، وذلك أن الحادث المقدم الوجود هو الإمام، وبين اليد: لما يأتي بعده في الزمن، والذي يأتي بعد: هو الوراء وهو ما خلف، وذلك بخلاف ما يظهر ببادي الرأي، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد، فهذه الآية معناها: أن هؤلاء وعملهم، وسعيهم، يأتي بعده في الزمن غصب هذا الملك، ومن قرأ {أمامهم}، أراد في المكان، أي إنهم كانوا يسيرون إلى بلده، وقوله تعالى في التوراة والإنجيل إنها بين يدي القرآن، مطرد على ما قلنا في الزمن، وقوله
{من وراءهم جهنم} [الجاثية: 10] مطرد كما قلنا مراعاة الزمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم «الصلاة أمامك» يريد في المكان، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمن وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ، ووقع لقتادة في كتاب الطبري {وكان وراءهم ملك} قال قتادة أمامهم، ألا ترى أنه يقول {من وراءهم جهنم} [الجاثية: 10] وهي بين أيديهم. وهذا القول غير مستقيم وهذه هي العجمة التي كان الحس بن أبي الحسن يضج منها قاله الزجاج ويجوز إن كان رجوعهم في طريقهم على الغاصب، فكان وراءهم حقيقة، وقيل اسم هذا الغاصب هدد بن بدد، وقيل اسمه الجلندا، وهذا كله غير ثابت، وقوله {كل سفينة} عموم معناه الخصوص في الجياد منها الصحاح المارة به.


تقدم القول في {الغلام}، والخلاف في بلوغه أو صغره، وفي الحديث: أن ذلك الغلام طبع يوم طبع كافراً، وهذا يؤيد ظاهره أنه كان غير بالغ، ويحتمل أن يكون خبراً عنه، مع كونه بالغاً. وقيل اسم الغلام جيسور بالراء، وقيل جيسون بالنون، وهذا أمر كله غير ثابت، وقرأ أبي بن كعب: {فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين}، وقرأ أبو سعيد الخدري {فكان أبواه مؤمنان} فجعلها كان التي فيها الأمر والشأن، وقوله {فخشينا} قيل هو في جملة الخضر، فهذا متخلص. والضمير عندي للخضر وأصحابه الصالحين الذين أهمهم الأمر وتكلموا فيه، وقيل هو في جهة الله تعالى، وعنه عبر الخضر قال الطبري معناه فعلمنا وقال غيره معناه فكرهنا والأظهر عندي في توجيه هذا التأويل، وإن كان اللفظ يدافعه، أنها استعارة، أي على ظن المخلوقين والمخاطبين، لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرهق للأبوين، وقرأ ابن مسعود {فخاف ربك} وهذا بين في الاستعارة وهذا نظير ما يقع في القرآن في جهة الله تعالى من لعل وعسى: فإن جميع ما في هذا كله، من ترج وتوقع، وخوف، وخشية، إنما هو بحبكم أيها المخاطبون، و{يرهقهما} معناه يحثهما ويكلفهما بشدة، والمعنى أن يلقيهما حبه في اتباعه، وقرأ الجمهور {أن يبَدّلهما} بفتح الباء وشد الدال، وقرأ ابن محيصن والحسن وعاصم {يبدلهما} بسكون الباء وتخفيف الدال، والزكاة: شرف الخلق، والوقار والسكينة المنطوية على خير ونية، والرحم الرحمة، والمراد عند فرقة أي يرحمهما، وقيل أي يرحمانه، ومنه قول رؤبة بن العجاج: [الرجز]
يا منزل الرحم على إدريسا *** ومنزل اللعن على إبليسا
وقرأ ابن عامر {رحُماً} بضم الحاء، وقرأ الباقون {رحْماً} بسكونها، واختلف عن أبي عمرو، وقرأ ابن عباس {ربهما أزكى منه} و{أقرب رحماً} وروي عن ابن جريج أنهما بدلا غلاماً مسلماً، وروي عن ابن جريج أنهما بدلا جارية، وحكى النقاش أنها ولدت هي وذريتها سبعين نبياً، وذكره المهدوي عن ابن عباس.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد، ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل، وهذه المرأة لم تكن فيهم، وروي عن ابن جريج أن أم الغلام يوم قتل كانت حاملاً بغلام مسلم، وقوله {وأما الجدار فكان لغلامين} هذان الغلامان صغيران، بقرينة وصفهما باليتم، وقد قال صلى الله عليه وسلم «لا يتم بعد بلوغ» هذا الظاهر، وقد يحتمل أن يبقى عليهما اسم اليتم بعد البلوغ أي كانا يتيمين على معنى التشفق عليهما، واختلف الناس في الكنز: فقال عكرمة وقتادة كان مالاً جسيماً، وقال ابن عباس كان علماً في مصحف مدفونة، وقال عمر مولى غفرة كان لوحاً من ذهب قد كتب فيه عجباً للموقن بالرزق كيف يتعب، وعجباً للموقن بالحساب كيف يغفل، وعجباً للومقن بالموت كيف يفرح، وروي نحو هذا مما هو في معناه، قوله {وكان أبوهما صالحاً} ظاهر اللفظ والسابق منه أن والدهما دنيّة، وقيل هو الأب السابع، وقيل العاشر، فحفظا فيه وإن لم يذكرا بصلاح، وفي الحديث
«إن الله تعالى يحفظ الرجل الصالح في ذريته»، وجاء في أنباء الخضر عليه السلام في أول قصة {فأردت أن أعيبها} [الكهف: 79] وفي الثانية {فأردنا أن يبدلهما} وفي الثالثة {فأراد ربك أن يبلغا} وإنما انفرد أولاً في الإرادة لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله {وإذا مرضت فهو يشفيني} [الشعراء: 80]، فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند المرض إلى نفسه، إذ هو معنى نقص ومصيبة، وهذا المنزع يطرد في فصاحة القرآن كثيراً، ألا ترى إلى تقديم فعل البشر في قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله} [الصف: 5]، وتقديم فعل الله تعالى في قوله {ثم تاب عليهم ليتوبوا} [التوبة: 118]، وإنما قال الخضر في الثانية {فأردنا} لأنه أمل قد كان رواه هو وأصحابه الصالحون، وتكلم فيه في معنى الخشية على الوالدين، وتمنى البديل لهما، وإنما أسند الإرادة في الثالثة إلى الله تعالى. لأنها في أمر مستأنف في الزمن طويل غيب من الغيوب، فحسن إفادة هذا الموضع بذكر الله تعالى، وإن كان الخضر قد أراد أيضاً ذلك الذي أعلمه الله أنه يريده، فهذا توجيه فصاحة هذه العبارة بحسب فهمنا المقصر، والله أعلم، والأشد كما الخلق والعقل واختلف الناس في قدر ذلك من السن، فقيل خمس وثلاثون، وقيل ست وثلاثون، وقيل أربعون، وقيل غير هذا مما فيه ضعف، وقول الخضر {وما فعلته عن أمري} يقتضي أن الخضر نبي، وقد اختلف الناس فيه: فقيل هو نبي، وقيل هو عبد صالح وليس بنبي، وكذلك جمهور الناس على أن الخضر مات صلى الله عليه وسلم، وتقول فرقة إنه حي، لأنه شرب من عين الحياة، وهو باق في الأرض، وأنه يحج البيت، وغير هذا، وقد أطنب النقاش في هذا المعنى، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، كلها لا يقوم على ساق، ولو كان الخضر عليه السلام حياً يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره، ومما يقضي بموت الخضر الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم «أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد».
، وقوله ذلك تأويل أي مآل، وقرأت فرقة {تستطع}، وقرأ الجمهور {تسطع} قال أبو حاتم كذا نقرأ {نتبع} المصحف، وانتزع الطبري من اتصال هذه القصة بقوله تعالى: {وربك الغفور ذو الرحمة لو يأخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً} [الكهف: 58] إن هذه القصة إنما جلبت على معنى المثل للنبي صلى الله عليه وسلم في قومه؛ أي لا تهتم بإملاء الله لهم وإجراء النعم لهم على ظاهرها، فإن البواطن سائرة إلى الانتقام منهم، ونحو هذا مما هو محتمل لكن بتعسف ما فتأمله.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10